إدارة الشئون الفنية
آثار رحمة الله

آثار رحمة الله

29 نوفمبر 2024

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 27 من جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 29 / 11 / 2024م

آثَارُ رَحْمَةِ اللهِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَوْجَدَ خَلْقَهُ مِنَ الْعَدَمِ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ، وَرَزَقَ عِبَادَهُ بِفَضْلِهِ وَحِكْمَتِهِ: ]وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ[ [الشورى:27]. نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ الْمُذْنِبِينَ، وَنَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ؛ فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْمُتَفَضِّلُ عَلَى الْعِبَادِ بِنِعَمِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى؛ ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ[ [الأحزاب:9] وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إِقْرَارًا بِهِ وَتَوْحِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَزِيدًا.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

فَاتَّقُوا اللَّهَ -يَا عِبَادَ اللهِ- وَاعْلَمُوا أَنَّـكُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ؛ ]وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ[ [البقرة:281].

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ آيَاتٍ تَدُلُّ عَلَى أُلُوهِيَّتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَتَصَرُّفِهِ فِي مُلْكِهِ، فَمَنْ تَدَبَّرَ وَتَفَكَّرَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ فَهُوَ مِنْ أُولِي الْبَصَائِرِ وَالْأَلْبَابِ؛ مِمَّنْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِهِ، وَهُمْ أَوْلِيَاؤُهُ الْمُتَّقُونَ، وَعِبَادُهُ الْمُؤْمِنُونَ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ[ [الزمر:21]، فَالْمَطَرُ وَتَسْيِيرُ الرِّيَاحِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَتِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ، فَالْمُؤْمِنُ يَسْتَبْشِرُ إِذَا رَأَى فَضْلَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَيُوقِنُ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُغِيثُ، وَأَنَّ رَحْمَتَهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَأَثَرَهَا عَلَى الْخَلْقِ بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: ]اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[ [الروم:28-50]، فَذَكَرَ اللَّهُ حَالَ الْخَلْقِ قَبْلَ نُزُولِ الْغَيْثِ أَنَّهُمْ مُبْلِسُونَ أَيْ: آيِسُونَ، وَأَخْبَرَ عَنْ كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَتَمَامِ نِعْمَتِهِ بِأَنَّهُ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ السَّحَابَ مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ يَبْسُطُ السَّحَابَ وَيَمُدُّهُ وَيُوَسِّعُهُ كَيْفَ يَشَاءُ، ثُمَّ يَجْعَلُهُ كِسَفًا – أَيْ: سَحَابًا ثَخِينًا أَطْبَقَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ -، فَيُنْزِلُ الْمَطَرَ كَالْوَدْقِ؛ نُقَطًا صِغَارًا مُتَفَرِّقَةً، لَا تَنْزِلُ جَمِيعًا فَتُفْسِدَ مَا أَتَتْ عَلَيْهِ، فَيَسْتَبْشِرُ الْخَلْقُ بِنُزُولِ الْمَطَرِ لِشِدَّةِ حَاجَتِهِمْ وَضَرُورَتِهِمْ إِلَيْهِ، فَتَأَمَّلْ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَثَرَ رَحْمَةِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَتَفَضُّلَهُ عَلَيْهِمْ؛ فَهَذِهِ نِعْمَةٌ تَسْتَلْزِمُ مِنَّا التَّأَمُّلَ وَالتَّدَبُّرَ وَالنَّظَرَ فِي أَسْبَابِهَا وَآثَارِهَا، وَمَا يَحْتَفِي بِهَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الدَّالَّةِ عَلَى مَلَكُوتِهِ وَقُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

 إِنَّ الْعِبَادَ إِذَا أَجْدَبُوا وَتَأَخَّرَ عَنْهُمْ نُزُولُ الْمَطَرِ، وَتَأَثَّرَ بِذَلِكَ الزَّرْعُ وَالْحَرْثُ وَهَلَكَتِ الْبَهَائِمُ؛ تَضَرَّعُوا إِلَى رَبِّهِمْ، وَذَلَّتْ قُلُوبُهُمْ لِبَارِئِهِمْ لِيَكْشِفَ عَنْهُمُ الضُّرَّ وَالْبَأْسَاءَ، وَهَذَا افْتِقَارٌ مِنْهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ، وَإِقْرَارٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ – عَزَّ وَجَلَّ – هُوَ النَّافِعُ وَالضَّارُّ، فَيَتَحَقَّقُ لَهُمْ بِذَلِكَ تَوْحِيدُ اللَّهِ وَالْيَقِينُ بِرُبُوبِيَّتِهِ، فَإِذَا نَزَلَ الْغَيْثُ وَاسْتَبْشَرَ الْعِبَادُ وَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الضُّرَّ وَالْمَكْرُوهَ، وَجَبَ عَلَيْهِمْ شُكْرُهُ - جَلَّ وَعَلَا – فَبِالشُّكْرِ تَدُومُ النِّعَمُ وَتَزْدَادُ الْبَرَكَاتُ؛ ]وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ[ [إبراهيم:7]، فَالْبَرَكَةُ بَعْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ حَيَاةُ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا وَإِنْبَاتُهَا بَعْدَ جَدْبِهَا؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ[ [النحل:65]،  وَمِنْ بَلَاءِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ: أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِمُ الْمَطَرُ وَلَا تُنْبِتَ الْأَرْضُ، فَتَكُونَ الشِّدَّةُ عَلَى الْعِبَادِ بَعْدَ رَجَاءِ الرَّخَاءِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَتِ السَّنَةُ – أَيِ: الْجَدْبُ وَالْقَحْطُ- بِأَنْ لَا تُمْطَرُوا، وَلَكِنِ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا، وَلَا تُنْبِتَ الْأَرْضُ شَيْئًا» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:

عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ يَتَذَكَّرُ الْعِبَادُ قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَبَعْثِهِمْ بَعْدَ أَنْ تَبْلَى أَجْسَادُهُمْ ؛ لِتَحْيَا الْقُلُوبُ بَعْدَ غَفْلَتِهَا، وَتَلِينَ الْأَفْئِدَةُ بَعْدَ قَسْوَتِهَا؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[ [الأعراف:57]، وَهَذَا هُوَ حَالُ الْمُؤْمِنِ: الِاعْتِبَارُ وَالِاتِّعَاظُ بِآيَاتِ اللَّهِ الْكَوْنِيَّةِ، وَتَصَرُّفِهِ -جَلَّ وَعَلَا- فِي مَلَكُوتِهِ؛ فَيَعْظُمُ بِذَلِكَ قَدْرُ اللَّهِ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ، وَيَكُونُ بَاعِثًا لِلْعَبْدِ عَلَى الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ وَخَشْيَتِهِ، وَإِنَابَتِهِ لِخَالِقِهِ وَمَوْلَاهُ:

فَيَا عَجَبًا كَيْفَ يُعْصَى الْإِلَـ          ـــهُ أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الْجَاحِدُ

وَفِـي كُـــلِّ شَـــيْءٍ لَــهُ آيَةٌ          تَــدُلُّ عَــــلَى أَنَّــــهُ وَاحِــدُ

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

إِنَّ الرِّيحَ وَالْمَطَرَ يَأْتِيَانِ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ بِالنَّفْعِ وَالرَّحْمَةِ، وَقَدْ يَأْتِيَانِ بِالضُّرِّ وَالْعَذَابِ، فَاللَّهُ أَهْلَكَ أَقْوَامًا بِالرِّيحِ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنْهُ، وَتَرَكُوا أَمْرَ رُسُلِهِ، وَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ فِيهَا الْغَيْثَ وَالْمَطَرَ؛ قَالَ تَعَالَى: ]فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ[ [الأحقاف:24]، فَالْمُؤْمِنُ إِذَا رَأَى هَذِهِ الْآيَاتِ تَدَبَّرَ وَاتَّعَظَ وَخَافَ أَمْرَ اللَّهِ وَقَدَرَهُ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهَا – قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ، عُرِفَ ذَلِكَ في وَجْهِهِ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: «إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا سُلِّطَ عَلَى أُمَّتِي، وَيَقُولُ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ: رَحْمَةٌ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]؛ لِأَنَّ نُزُولَ الْمَطَرِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ؛ فَيُسَرُّ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَزُولُ عَنْهُ الْخَوْفُ.

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ اللَّهُ هَادِيًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، فَصَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ -عِبَادَ اللَّهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ الْمَتِينِ، وَصِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ؛ تَنْعَمُوا بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَجَنَّاتِ النَّعِيمِ.

عِبَادَ اللهِ:

إِنَّ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَى الْعِبَادِ فِي مَقَامِ نُزُولِ الْغَيْثِ: أَنْ يَعْرِفُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَيَنْسُبُوا إِلَيْهِ الْفَضْلَ وَحْدَهُ؛ فَهُوَ الْمُتَفَضِّلُ بِالنِّعَمِ، وَلَهُ الْعَطَاءُ وَالْمَنْعُ؛ فَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي إِثْرِ السَّمَاءِ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].

فَسَبَبُ نُزُولِ الْمَطَرِ هُوَ حَاجَةُ الْعِبَادِ وَافْتِقَارُهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ وَسُؤَالُهُمْ إِيَّاهُ، وَاسْتِغْفَارُهُمْ وَتَوْبَتُهُمْ إِلَيْهِ، وَدُعَاؤُهُمْ إِيَّاهُ بِلِسَانِ الْحَالِ وَالْمَقَالِ، فَيُنْزِلُ عَلَيْهِمُ الْغَيْثَ بِحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، بِالْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ لِحَاجَتِهِمْ وَضَرُورَتِهِمْ، وَلَا يَتِمُّ تَوْحِيدُ الْعَبْدِ حَتَّى يَعْتَرِفَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ عَلَيْهِ، وَعَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ، وَيُضِيفَ هَذِهِ النِّعَمَ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ، وَيَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى عِبَادَتِهِ جَلَّ وَعَلَا.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ: يَحْرِصُ الْمُؤْمِنُ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَأَنْ يُصِيبَ الْمَطَرُ شَيْئًا مِنْ جَسَدِهِ؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: «لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]. وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ: «صَيِّبًا نَافِعًا» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-].

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّـتِـينَ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِينَ، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ شَرٍّ وَسُوءٍ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالْإِيمَانِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

الرقعي - قطاع المساجد - مبنى تدريب الأئمة والمؤذنين - الدور الثاني